مجتمع

محاولات الاغتيال الفاشلة: منحة القدر للقادة السياسيين حول العالم

هل تساهم محاولة اغتيال ترامب الفاشلة في حسمه نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية مسبقًا بالفعل؟ وهل تزيد محاولات الاغتيال عامةً ضحاياها قوةً دائمًا؟

future محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق والمرشح للانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة، دونالد ترامب، أثناء مخاطبته حشدًا من مؤيديه في تجمع انتخابي بولاية بنسلفانيا

بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمس السبت 13 يوليو 2024، خلال إلقائه كلمة في أحد تجمعاته الانتخابية، اتجه الرأي العام العالمي إلى الحديث عن حسم ترامب نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة مسبقًا، وذلك بعد أن أظهره الهجوم بطلًا يكافح من أجل مشروعه ويخاطر بحياته لـ«جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وهو الشعار الذي رفعه لتلخيص رؤيته.

فبينما الدماء تسيل على وجهه وأتباعه يتبعثرون حوله ويصرخون من الفزع، نهض بطلهم من جديد في مشهد أيقوني مثير ليلوح بقبضته القوية إلى الأعلى، ويعلن أن الرصاص لن يوقف مسيرته، وأنه سيواصل التحدي، قائلًا: «قاتلوا.. قاتلوا.. قاتلوا».

قبل محاولة الاغتيال الفاشلة تلك، كان ترامب قد حقق بالفعل تفوقًا ملحوظًا على منافسه، الرئيس الحالي جو بايدن، وتحديدًا في المناظرة الأولى بينهما، مما جعل أنصار الأخير يعترضون على ترشحه من الأساس، وأُصيب حزبه الديمقراطي بتصدعات كبيرة. ولكن بعد هذا الأداء المؤثر الذي شاهده المتابعون خلال محاولة الاغتيال، قفزت أسهم ترامب بقوة أكبر، ومُني الرئيس الديمقراطي الضعيف بضربة أطاحت به إلى أسفل استطلاعات الرأي، مما دفع البعض ليعلن أن الهجوم اغتال بايدن وليس ترامب.

فجأة وجد بايدن نفسه في موضع الاتهام في واقعة لا يعرف عنها أي شيء، وأُجبر على إظهار التعاطف مع خصمه اللدود، وأُجبر أنصار الحزب الديمقراطي على التوقف عن مهاجمة ترامب، كي لا يظهروا بصورة من يحاول الإجهاز على خصمه الجريح، ووجه الجمهوريون لهم أصابع الاتهام بحجة أن خطابهم الهجومي وفر المبرر لتنفيذ هذا الهجوم، بل بالغ بعضهم كالسيناتور مايك كولينز، واتهم الرئيس بايدن مباشرة بالتورط في الجريمة واستشهد بتصريحاته المجازية التي طالب فيها بوضع ترامب هدفًا والتركيز عليه.

صار ترامب الذي تلاحقه الاتهامات دائمًا، موضع تعاطف من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والرؤساء السابقين، وقادة العالم، وصار في بؤرة الاهتمام والتعاطف الإعلامي، وهي هدية جاءت في وقتها، ففي ظل المعطيات الحالية لن يستطيع أحد أن يوقف نجاحه الكاسح في انتخابات نوفمبر المقبل.

ضربات فاشلة لكن مؤثرة

كثيرًا ما اتُهم الزعماء بتضخيم الأخطار التي تهددهم وتهدد أوطانهم لتبرير تعزيز سلطتهم وقمع معارضيهم؛ كما في حالة الرئيس جمال عبدالناصر الذي أدان جماعة الإخوان بتدبير محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، وقد اتُهم عبدالناصر نفسه بأنه دبّر الحادث لتبرير الفتك بالجماعة؛ إذ أعدم عددًا من قادتها عقب الحادث.

لا تزال هذه الواقعة محل جدل لأن الرصاصات كلها أخطأت هدفها رغم قرب المسافة، وألقى الرئيس خطابًا حماسيًا منمقًا معلنًا عدم خوفه من الموت قائلًا:

فليقتلوني.. فليقتلوني.. فقد وضعت فيكم العزة.. فليقتلوني.. فقد وضعت فيكم الكرامة.. فليقتلوني.. إذا مات جمال عبدالناصر فأنا الآن أموت وأنا مطمئن؛ فكلكم جمال عبدالناصر.. كلكم جمال عبدالناصر.. كلكم جمال عبدالناصر.

وفي الولايات المتحدة تعرض الرئيس رونالد ريغان لمحاولة اغتيال في بداية عهده في مارس 1981 منحته رصيدًا كبيرًا من الشعبية، استغلها في إكساب سياساته دعمًا وتأييدًا لم يكن متوقعًا قبل الحادث.

وفي باكستان تعرض رئيس الوزراء الأسبق عمران خان في الثالث من نوفمبر 2022 لمحاولة اغتيال خلال مسيرة آزادي، وهي مسيرة طويلة نظمها عمران خان للاحتجاج على رفض الحكومة إجراء انتخابات مبكرة. وبعد تلك المحاولة تعززت صورة هذا القائد الكاريزمي الآتي من خارج النخبة السياسية، التي طالما نعتها بالفساد، بخاصة عائلتا بوتو وشريف. كذلك منحته الحادثة مبررًا لوقف مسيرته المرهقة في وقت بدأ جمهوره يعاني من الإحباط والملل بعض الشيء، فوقفت المسيرة بدواعٍ أمنية وارتفعت شعبية خان.

وفي البرازيل تلقى الرئيس السابق جايير بولسونارو الذي يشبهه البعض بترامب طعنة في بطنه خلال محاولة اغتيال عام 2018، وكان حينئذ لا يزال مرشحًا رئاسيًا. وقد رفعت هذه المحاولة الفاشلة من نسبة تأييده وأسهمت في تجميع الناخبين حوله. وبعد خروجه من غرفة العمليات، قال نجله:

أبي الآن أقوى من أى وقت مضى، وعلى استعداد لاجتياز انتخابات الرئاسة فى الجولة الأولى، وقد أعطانا الرب علامة للتو أن الخير سينتصر.

الضربة التي تزيدك قوة

مع فشل رصاصات الاغتيال في إصابة أهدافها يتحول الهدف إلى بطل ناج من الموت، وتتعلق أعين الناس به، ويستحي خصومه من مهاجمته، وتكتسب كلماته مزيدًا من المصداقية ويأخذها الناس بجدية أكبر؛ فيظهر كأنه يخاطر بحياته لتوصيل رسالته، بينما يحاول أعداؤه إيقافه بأي ثمن ولو بالقتل بعدما عجزوا عن تحديه في ساحات المنافسة الشريفة.

لكن ليست كل محاولات الاغتيال تزيد ضحاياها قوة؛ فقد تعرض الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لثلاث محاولات اغتيال عام 1994، وتعرض الرئيس جورج بوش الابن لمحاولتين في عامي 2006 و2011، وتعرض باراك أوباما لأكثر من محاولة قتل، لكن ذلك كله لم يُولِّد موجات تعاطف مؤثرة كما وقع مع ترامب، وذلك لاختلاف الظروف وغياب التغطية وضعف الحاجة إلى التعاطف الشعبي، مقارنة بحالة المرشح المتعطش لدور البطولة في خضم حملته الانتخابية.

من المهم عدم إغفال حقيقة أن محاولات الاغتيال لا تفشل دائمًا، فكثيرًا ما اقتلعت حُكّامًا عن عروشهم أو مرشحين للرئاسة؛ ففي الولايات المتحدة قُتل الرئيس أبراهام لينكولن في محاولة اغتيال ناجحة عام 1865، واغُتيل جيمس غارفيلد عام 1881، وهو صاحب ثاني أقصر فترة رئاسة في التاريخ الأمريكي، واغتيل وليام ماكينلي في1901، في ولايته الثانية بعد انتصاره في الحرب الإسبانية الأمريكية، ووقعت أشهر هذه الحوادث في 1963 حين قُتل الرئيس جون كينيدي، خلال مرور موكبه في الشارع.

# دونالد ترامب # الولايات المتحدة الأمريكية # جو بايدن # الانتخابات الأمريكية

جولات بلينكن في المنطقة ولعبة سياسة الهندسة
المعادن الحرجة: عودة إلى ساحة الصراع في ظل هيمنة التنين
بايدن ينسحب وكامالا هاريس في مواجهة ترامب

مجتمع